القيادة المرنة

في بيئة الأعمال الراهنة التي تتسم بالسرعة والتغير، يدرك القادة الحاجة الملحة إلى التجديد والابتكار، كما يدركون الحاجة إلى التخلي عن مفهوم السيطرة والانفراد بالقيادة، مع منح بعض الصلاحيات والموارد للموظفين الأدنى في التسلسل التنظيمي الهرمي، ولم يظهر حتى الآن أسلوب أو نهج محدد للقيادة يدعم هذا التوجه لأن القادة يخشون من أن يؤدي تفويض السلطة إلى تعطيل العمل داخل المنشأة.

وفي مقال بعنوان “القيادة المرنة”، حاول المؤلفون حل هذه المعضلة من خلال دراسة اثنتين من الشركات العريقة اللتين نجحتا في الحفاظ على التوجه المؤسسي نحو بناء وتمكين القدرات الإبداعية، وهما شركة W.L. Gore & Associates وشركة Xerox’s R&D

أظهرت الأبحاث أن هذه المنشآت لديها عمليات وسلوكيات متشابهة مع المنشآت “الديناميكية” (Agile Organizations)، مثل فرق العمل متعددة التخصصات والمبادرة للتجربة، لكن أساليب القيادة اختلفت في كل حالة، وتم رصد ثلاثة أنواع من القيادة هي: قادة ريادة الأعمال، وقادة التمكين، وقادة هندسة الأعمال، كما لوحظ أن كلتا الشركتين لديهما نفس الاعتقاد الراسخ بضرورة إسناد القيادة إلى من يتمتع بالقدرة على ممارستها

وقد عززت هذه الخصائص قدرة المنشأتين على الإدارة الذاتية إلى حد كبير، فالموظفون يحددون ويختارون مهامهم الخاصة، ويبتكرون منتجات وخدمات جديدة، مع تخصيص الموارد للمشاريع المتميزة، واستبعاد المشاريع التي لا تحظى بتأييد واسع، إضافةً إلى ذلك، فإن هذا النظام لا يترك مجالًا لعدم التنظيم، لأنه يوازن بحرص بين الحرية والتحكم الذاتي.

وفي ضوء دراسة المنشآت التي تتمتع بالإدارة الذاتية، يمكننا تناول سمات الأنواع الثلاثة من القيادة بشيء من التفصيل:

  1. قادة ريادة الأعمال- هم في المستويات الأقل من التسلسل الهرمي، ويركزون على خلق تجربة متميزة للعملاء من خلال تقديم منتجات وخدمات جديدة، ويستشعرون الفرص ويغتنمونها، ويضغطون من أجل الحصول على الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريعهم، ويقنعون الزملاء بالانضمام إلى هذه المشاريع، فهذا النوع من القادة يتمتع بالثقة بالنفس وروح المبادرة والعقلية الإستراتيجية والقدرة على جذب الآخرين للانضمام إلى رؤيتهم.
  2. قادة التمكين – هم في الطبقة الوسطى من التسلسل الهرمي، ويعملون على التأكد من حصول رواد الأعمال على المعلومات والموارد التي يحتاجون إليها، وينصب تركيزهم على مساعدة قادة المشاريع على أداء أعمالهم باحترافية من خلال ربطهم بالقيادات الأخرى، والحفاظ على فعالية التواصل على مستوى المنشأة في حالة التغيرات الواسعة في استراتيجيات العمل، ويمتلك هذا النوع من القيادات القدرة على التدريب والتطوير والتعاون والتواصل.
  3. قادة هندسة الأعمال- هؤلاء يتربعون على قمة التسلسل الهرمي في المنشأة لمتابعة أداء المستويات الأقل من القادة، وينصب تركيزهم على “الصورة الأشمل”، فهم يحللون الفرص والتهديدات الخارجية وعمليات الأعمال الداخلية، ومن ثم يصدرون توصياتهم بشأن التغييرات المطلوبة في الموارد والثقافة والهيكل التنظيميين للمنشأة.

إلى جانب هذه الأساليب الثلاثة المختلفة للقيادة، تتسم هذه المنشآت بثلاث خصائص تعزز نجاحها، وهي توزيع الأدوار القيادية، وقوة الكثرة (التي تتجلى في التعاون وصنع القرار الجماعي)، وأخيرًا عمليات التوازن بين الحرية والسيطرة، وتضمن هذه الخصائص ــ إلى جانب الأنواع الثلاثة للقيادة ــ ما يلي

  1. توزيع السلطة بين جميع أطراف المنشأة
  2. استقلالية الموظفين في اختيار ومتابعة المشاريع التي يفضلونها
  3. تطوير القيادات في المراحل المبكرة،
  4. تأسيس شبكة قوية من التواصل داخل وخارج المنشأة
  5. تأسيس “نظام القيمة المشتركة” لضمان توافق القرارات الاستثمارية مع أولويات المنشأة.

وفي الختام، فإن الجمع بين أساليب القيادة والخصائص السابقة وثقافة العمل، تمكّن من تحقيق القيادة المرنة، التي تعد الحل الأمثل لمعضلة تفويض السلطة دون التسبب في اختلال الهيكل التنظيمي، فهذا النوع من القيادة يضمن وجود أشخاص في جميع أنحاء المنشأة يشاركون في استطلاع أوضاع السوق والتحدث إلى العملاء، ثم يؤدون أعمالهم وفقًا لذلك، ولذا فإن المنشأة بأكملها تتمتع بالمرونة والقدرة على التحرك في اتجاهات جديدة.

المرجع:

أنكونا، ديبورا، وآخرون. “القيادة المرنة”. هارفارد بيزنس ريفيو ، 14 أغسطس 2019, hbr.org/2019/07/nimble-leadership.

– كُتب لـ LEADIN

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *